نشر تشاتام هاوس في 30 يونيو تعليقًا يحذر من أن التوتر بين إسرائيل وإيران لم ينتهِ رغم توقف صافرات الإنذار. ورغم انقضاء الهجمات الصاروخية، فإن الغموض الذي يحيط بما تبقى من برنامج إيران النووي واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية يهددان بتأجيج عدم الاستقرار في المنطقة.

 

الشكوك النووية الإيرانية

يتواصل الجدل بشأن مصير برنامج إيران النووي. فبينما تؤكد إسرائيل القضاء عليه، تعترف إيران بحدوث أضرار كبيرة لكنها تزعم الانتصار. يبرز سؤال حاسم الآن: أين اختفى مخزون إيران المعروف من اليورانيوم العالي التخصيب البالغ 408 كيلوجرامات؟ هذا المخزون، حتى دون مزيد من التخصيب، يمكن استخدامه لإنتاج سلاح نووي بدائي واحد على الأقل، أو تحويله إلى مادة كافية لصنع تسعة أسلحة نووية أكثر تطورًا.

رغم تدمير منشآت التخصيب المعلنة، تبقى المخاوف من أن إيران قد تكون أنشأت منشأة سرية غير خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). فالأخيرة أعلنت قبيل الضربات أن إيران غير ملتزمة باتفاقية منع الانتشار النووي، وذكرت أنها انسحبت من البروتوكول الإضافي، ما أضعف قدرة الوكالة على تتبع الأنشطة النووية الإيرانية بدقة.

 

حسابات إسرائيل والولايات المتحدة

يعتمد القادة الإسرائيليون على استخباراتهم الواسعة لمعرفة ما إذا استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم، لكن هناك اعتقادًا شائعًا لدى مسؤولين غربيين وإقليميين بأن إيران ستماطل في المفاوضات بينما تعيد بناء برنامجها سراً.

في المقابل، ترى واشنطن أن التفاوض قد يكون مجديًا إذا أبدت إيران استعدادًا لذلك. إذ يبدو أن ترامب يفضّل إعلان "نصر سياسي" والابتعاد عن التورط العسكري، في محاولة لتجنب مزيد من التصعيد. ومع ذلك، فإن الإدارة الأميركية الحالية لا تُظهر أي رغبة في كبح جماح إسرائيل، بل تدعم عملياتها بلا حدود، بما يفوق حتى توقعات المتشددين داخل الحكومة الإسرائيلية.

 

غزة والضفة في الظل

الهجمات على إيران حولت الأنظار عن المأساة اليومية في غزة، حيث المجاعة والوفيات تتزايد، وعن انتقادات الحكومات الأوروبية لإسرائيل. كما أسكتت مؤقتًا الانتقادات الداخلية الموجهة لنتنياهو بشأن فشل استعادة الأسرى واستمرار الحرب من دون حسم.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بدعم من حكومته المتطرفة، يواصل السعي إلى السيطرة الكاملة على غزة ودعم المستوطنين في الضفة لمصادرة الأراضي ومضايقة المزارعين الفلسطينيين. ولا يبدو أن الولايات المتحدة، التي علّق سفيرها مايك هاكابي على أن واشنطن لم تعد تسعى لحل الدولتين، تنوي الوقوف في وجه هذا التوجه.

 

قلق الجيران العرب

تخشى الأردن من موجة نزوح فلسطيني من الضفة الغربية تهدد استقرارها، وهي الدولة التي استقبلت لاجئين سابقًا عام 1948 وفي حرب 1967. أما مصر، فتخشَى تدفق حماس وأفكار الإخوان المسلمين إلى أراضيها، في حال حاولت إسرائيل دفع الفلسطينيين جنوبًا.

ورغم احتمالية فرض تهدئة في غزة بضغط دولي، إلا أن أفق إقامة دولة فلسطينية يبدو مسدودًا في الوقت الراهن، حتى لو استمرت الدول في التظاهر بدعم هذا الهدف.

 

تداعيات إقليمية أوسع

اهتمام السعودية بالتطبيع مع إسرائيل بدأ في التراجع. ومن المرجح أن تسعى الرياض لإبرام اتفاقيات دفاعية مباشرة مع واشنطن دون ربطها بمسألة الدولة الفلسطينية. العراق والأردن أيضاً قلقان من أن الصراع يُبعد الأنظار عن التطورات في سوريا، حيث يُخشى أن يعيد الرئيس الجديد أحمد الشرع إنتاج خطاب تنظيم الدولة، أو أن يُجبر على ذلك تحت ضغط المحيطين به.

في الأثناء، تسعى دول الجوار إلى تجاوز هذه المرحلة المتوترة عبر تعميق علاقاتها مع الصين، والاستمرار في تصدير النفط إليها، والاستثمار في مشاريع الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي. غير أن هذا لا يُخفي المخاوف المتزايدة من اتجاه إسرائيل نحو حرب دائمة تفرض بها سيطرة على المنطقة، ومن احتمال أن تجد إيران، رغم الضربات، دافعًا إضافيًا لإحياء برنامجها النووي بما تملكه من قدرة كامنة.

استعرض التقرير واقعًا معقّدًا: إسرائيل تُثبت تفوقها العسكري، إيران لا تزال تملك أوراقًا نووية، والولايات المتحدة تحت إدارة ترامب ترفع الغطاء عن كل القيود. وسط هذا المشهد، تتعاظم المخاوف الإقليمية من أن الصراع بين إسرائيل وإيران لا يزال بعيدًا عن نهايته، بينما يبقى الشعب الفلسطيني أكبر الخاسرين.
 

https://www.chathamhouse.org/2025/06/middle-east-still-fears-israel-and-iran